هذا الخبر متاح أيضا ب: الإنجليزية
مع استمرار كفاح مواطني منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أجل المكاسب التي حققوها خلال انتفاضاتهم، بات من الواضح أن شعوب المنطقة قد وجدت أصواتها وتطالب بالمشاركة في اتخاذ القرارات التي من شأنها أن تؤثر على حياتها. واستجابة لذلك، ولتظل مواكبة، قامت العديد من المؤسسات والاطراف الدولية والمحلية بتكييف خطاباتها وطرق عملها من أجل إشراك أفضل وأكثر جدوى للمواطنين في المنطقة في عملياتها.
وكانت جهود مجموعة البنك الدولي في طليعة تلك الجهود المبذولة، لاسيما في منطقة الشرق الأوسط. ففي أعقاب فترة الربيع العربي، ساند البنك الحكومة التونسية في تنفيذ إصلاحات خاصة بالحوكمة مثل قوانين إتاحة المعلومات وحرية تكوين الجمعيات؛ كما قدم المساعدة التقنية للحكومة المغربية في وضع وتنفيذ قانون التشاور مع الجمهور؛ و تفاوض البنك من أجل إصلاحات مماثلة في مصر والتي رفضتها بعد ذلك أول حكومة بعد الثورة في البلاد. أطلق البنك أيضا العديد من المبادرات في إطار التزامه الجديد للمساءلة الاجتماعية مثل شبكة المساءلة الاجتماعية في العالم العربي (أنسا) والشراكة العالمية من أجل المساءلة الاجتماعية لدعم المجتمع المدني والجهات غير الحكومية الفاعلة لمساءلة حكوماتهم.
إشراك المواطن
وتمشيا أيضا مع هذا الخطاب الجديد، بدأ البنك الدولي في تطبيق تجريبي لمبادرة جديدة تسمى “إشراك المواطن” في مناطق مختلفة من العالم ( بما في ذلك الشرق الأوسط)، مع وجود خطط لتعميمها في نهاية المطاف في جميع علميات البنك. إشراك المواطن كما يعرّفه البنك يهدف إلى تحسين مساءلة الحكومات ومقدمي الخدمات عن طريق إشراك المواطنين في إعداد وتنفيذ ومتابعة مشروعات التنمية، والبرامج والسياسات على مستوى المشروع/البرنامج. وبشكل أكثر تحديدا، ووفقا للمعلومات التي تم الحصول عليها من فريق البنك الذي يقوم بتطوير استراتيجة إشراك المواطن، فعلى مستوى المشروع من شأن اشراك المواطن أن يشمل أدوات مثل المشاركة في صنع القرار والمشاروات والمراقبة من طرف ثالث وآليات التظلم والانتصاف وغيرها من الأدوات. تدرك المبادرة أيضا أنه كي تكون تلك الآليات المتعددة على مستوى المشروع فعالة فهي بحاجة إلى توفر ظروف محددة على المستوى المؤسسي للبلاد مثل القوانين التي تشجع نظم الحكم الرشيد وإتاحة المعلومات. بينما لا تعد الأفكار وراء إشراك المواطنين جديدة بالنسبة للبنك، إلا أن هذه المبادرة تهدف إلى إشراك المواطنين بطريقة أكثر منهجية تضعهم في قلب العملية التنموية بغية إستمرار حلقة رد الفعل. جانب آخر مهم من هذه المبادرة هو أنها تعتمد مبدأ الاستفادة من أدوات كالهواتف النقالة وغيرها من أدوات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المتنوعة حتى يتسنى للمواطنين التعليق على المشروعات.
وإذا ما كان الناس هم قلب التنمية وينبغي أن يكونوا المحركين لعمليات التنمية فإن مبادرة البنك لتعميم إشراك المواطنين عبر عملياته تبدو خطوة إيجابية للأمام، لاسيما في ضوء التحولات العالمية الراهنة في المشهد التنموي والسياق الخاص لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويتجاوز مفهوم إشراك المواطنين في الواقع المشروعات الممولة من البنك الدولي، حيث يكون مثاليا أن يتم تنفيذه في كافة مشروعات التنمية. وبوضع ذلك في الحسبان، ما يلي بعض التعليقات الأولية عن كيف يتعين على البنك دمج (إشراك المواطن) في عملياته وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
مساءلة البنك الدولي
بداية وقبل كل شيء، نظرا للاتجاه نحو المزيد من ملكية ومسؤولية الحكومات فيما يتعلق بجهود التنمية وحتى يتسنى لمبادرة (إشراك المواطن) أن تكون فعالة وتحقق أهدافها المرجوة، فإنه ينبغي -إضافة إلى تمكين المواطنين من محاسبة حكوماتهم- ضمان أن يكون البنك مسؤولا أمام المستفيدين من عملياته. ويتوافق هذا مع الاستراتيجية المؤسسية الجديدة للبنك التي تهدف- إلى جانب جعل البنك بنكا أكثر كفاءة يُعتمد عليه ويرتكز على الأدلة والحلول- إلى معالجة هدفي القضاء على الفقر المدقع وتعزيز الرخاء المشترك. تأتي تلك الأهداف مع مسؤولية كبيرة نحو أهداف هذا العمل: المواطنون.
علاوة على ذلك، في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على وجه الخصوص- وبالرغم من المطالبات بالديمقراطية- نجد أن الكثير من الحكومات التي يسعى البنك لدعمها تواصل قمعا ممنهجا لأي جهود يبذلها مواطنيها لمحاسبتهم. ومع شروع البنك في إطلاق مبادرة (إشراك المواطن) في المنطقة يكون ذلك عاملا حاسما يؤخذ بعين الاعتبار، حيث ينظر الكثيرون من سكان المنطقة إلى المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي كأدوات لمساءلة حكوماتهم.
تطبيق (إشراك الموطن)
ينبغي أن تطبق مبادرة(إشراك المواطن) على كافة أدوات إقراض البنك، بما في ذلك قروض سياسات التنمية والمساعدات التقنية ونظام البرنامج وفقا للنتائج حيث ما يكون هناك في العادة نقص في المعلومات المفصلة حول البرامج التي تدعمها هذه الادوات والتي هي أصعب في المراقبة من مشروعات قروض الاستثمار الملموسة. وكما تكشف النظرة الأولى على استراتيجية (إشراك المواطن)، فكي تكون المبادرة فعالة بشكل كامل على مستوى البرنامج/المشروع، ينبغي وجود بيئة قانونية وبيئة حكم فعالة تمكّن المواطنون من المشاركة وتشمل هذه البيئة السياسات القومية التي تضمن إتاحة المعلومات وحرية تكوين الجمعيات من بين حقوق أخرى. ويتعين على البنك تقييم بيئة الحكم تلك تمهيدا لتنفيذ مبادرة (إشراك المواطن) في أي دولة، كما يجب أن يعمل مع الحكومة لضمان أن تكون تلك البيئة جاهزة من أجل دعم المبادرة على مستوى المشروع/البرنامج. وفي الحالات التي يدعم فيها البنك الحكومات في إعداد هذه السياسات القومية من خلال قروض سياسات التنمية والمساعدة التقنية وربما نظام البرنامج وفقا للنتائج، وبالإضافة إلى إشراك الحكومات لمواطنيها في هذه النظم القومية، فمن الضروري أن يشرك البنك المواطنين- كونهم المستخدمين النهائيين لتلك السياسات- في تصميم وتنفيذ أدوات الإقراض التي تدعم هذه النظم القومية. ويمكن تحقيق ذلك من خلال مشاورات منتظمة طوال عملية التصميم وتوفير المعلومات بشفافية وفي وقت مناسب، مما يسمح للمواطنين بإعطاء ردود فعل مجدية تستند إلى معلومات حول تصورهم لدور البنك في دعم هذه النظم القومية.
وبعيدا عن المستوى المؤسسي ومستوى المشروع، ينبغي أن تطبق المبادرة على سياسات واستراتيجيات البنك الدولي على المستوى القطري وعبر المؤسسة. على المستوى القطري، ينبغي على البنك إشراك المواطنين بشكل مجدي في تصميم وتنفيذ استراتيجيات الشراكة القطرية للبنك الدولي والتي سيطلق عليها في إطار النظام المؤسسي الجديد للبنك الدولي أطر الشراكة القطرية. تحدد هذه الاستراتيجيات أو الأطر مشاركة البنك في أي بلد على مدى فترة من ثلات إلى خمس سنوات، وتهدف إلى دعم الحكومات في تنفيذ خططها للتنمية القومية. كي يتحقق إشراك المواطنين بالفعل، يجب أن يكون المواطنون قادرين على المشاركة، وأن يشاركوا بشكل فعال في وضع تلك الاستراتيجيات التي تحدد بشكل أساسي أي المشروعات التي يمولها البنك في بلد محدد، وهي المشروعات ذاتها التي سينخرط فيها المواطنون ويراقبونها من خلال مبادرة (إشراك المواطن). فقبل إشراك المواطنين في المشروعات ينبغي أن يكون لهم رأيا في أي المشروعات ستمول في مجتمعاتهم، ويمكن أن يتم ذلك من خلال إشراكهم في تطوير الاستراتيجية القطرية. ويتمشى ذلك أيضا مع تعميم المبادرة في تعاقدات البنك مع الحكومات، وهو التزام واضح من قبل البنك بموجب استراتيجيته المؤسسية الجديدة.
على المستوى المؤسسي، ينبغي أن يكون المواطنون قادرين على المشاركة والانخراط في أي استراتجية أو سياسة من شأنها أن تنظم أطر الشراكة القطرية الجديدة. إن مثل هذه الاستراتيجية أو السياسة تضع القواعد للمبادرة لتطوير الأطر على المستوى القطري، وبطبيعة الحال ينبغي أن تشمل أصوات المواطنين الذين من شأنهم تقديم رؤيتهم بشأن الكيفية التي يرغبون بها المشاركة في أطر الشراكة القطرية. بعبارة أخرى ينبغي لحلقة رجع الصدى أو رد الفعل أن تبدأ وتنتهي بالمواطنين.
الرصد والإصلاح
على مستوى المشروع، واحدة من الأدوات المقترحة من قبل البنك لمبادرة (إشراك المواطن) هي المراقبة من طرف ثالث. فمن الأهمية بمكان ضمان مراقبة مستقلة ودقيقة وممثلة للنتائج الفعلية والتأثيرات على أرض الواقع عند تنفيذ المشروع. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن تكون عملية اختيار المراقبين شفافة، كذلك المنهج الذي يتبعه المراقبون، إضافة إلى المؤشرات والمعالم التي تم الاتفاق عليها كلها ينبغي أن تكون متاحة للجمهور. الأهم من ذلك، أن يكون المراقبون معروفين للمجتمع المنتفع من المشروع. ويتمثل الشكل المثالي في التعاقد مع شركات استشارية محلية بدلا من الشركات الأجنبية الخارجية حيث يكون للشركات المحلية معرفة أفضل باللغة والثقافة والتركيبة الخاصة ببلد معين أو بمنطقة إقليمية محددة، فكل ذلك سيعزز من جودة تقارير المراقبة. وبالرغم مما قيل، فإن الشركات لديها بالفعل مصلحة مالية، فيكون من المثالي أن يكون المواطنون الذين يعيشون في منطقة المشروع أو المنتفعين منه هم الذيم يقومون بالرصد والإبلاغ.
أداة أخرى هامة تتعلق بتنفيذ المشروع والرصد وهي آليات الانتصاف والتظلم على مستوى المشروع. في حين لا يزال من غير الواضح إذا ما كان البنك سيجعلها جزءا لا يتجزأ من المبادرة، فقد قاد البنك بالفعل آليات التظلم في العديد من مشروعاته مثل مشروع محطة توليد الكهرباء شمال الجيزة في مصر، ونحن نشعر أنه من المهم أن يضع البنك ذلك حيز التنفيذ عبر كافة مشروعاته من خلال جعلها أداة من أدوات المبادرة. وهذا من شأنه تمكين المواطنين من طلب التعويض عن الأضرار الناجمة عن المشروعات. وعلاوة على ذلك، من المهم أيضا أن يتمكن المواطنون من الوصول إلى آليات مستقلة تتجاوز مستوى المشروع مثل هيئة التفتيش التي يمكن استخدامها كآلية بديلة أو كآلية من المستوى الثاني، والتي يمكنهم من خلالها أيضا مساءلة البنك في حالة عدم معالجة قضاياهم. تتضح أهمية ذلك عندما تكون هناك انتهاكات لسياسات البنك لا يمكن معالجتها بالضرورة على مستوى المشروع.
اتاحة المعلومات
ويتصل بكل ما سبق مبدأ شامل سيعزز بالتأكيد أي جهود لإشراك المواطنين وهو إتاحة معلومات موثوقة في الوقت المناسب وباللغة المحلية. من الأهمية بمكان فيما يتعلق بالمراقبة من طرف ثالث إتاحة تقارير المراقبين للجمهور حتى إذا ما كانت هناك أي تناقضات أو أغلاط يمكن للمواطنين أيضا التأكد من تصحيح المعلومات. فيما يتعلق بالمظالم، فمن المهم التأكد من أن يكون باستطاعة أصحاب الشكوى تقديم شكواهم بلغتهم المحلية وأن يتم أي اتصال من تلك اللحظة باللغة المحلية. فيما يتعلق بالمشاورات، كلما ازدات المعلومات وجودتها قبل إنعقاد المشاروات كلما كانت أكثر فاعلية. إضافة إلى ذلك، على البنك اتباع مبادئه التوجيهية الجديدة للمشاورات (بالانجليزية) كحد أدنى.
فيما يتعلق بجعل المعلومات متاحة باللغة المحلية، نجد أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وضع مميز نتيجة لقبول قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالبنك الدولي لخطة عمل للمنطقة في عام 2009 في أعقاب شكوى قدمت لهيئة التفتيش من قبل منظمات يمنية سعت للحصول على وثائق مشروع باللغة العربية، والتي تعهدت فيها بترجمة وثائق المشروع الهامة إلى العربية. ومع ذلك، وبما أن خطة العمل لا تعد سياسة، وبالنظر إلى أن البنك حاليا لا يملك سياسة على نطاق المؤسسة للترجمة فإن اتاحة تلك الوثائق باللغة العربية وغيرها ليس إجباريا. لذا من الضروري وجود سياسة للترجمة على النطاق الواسع للبنك لضمان أن تكون المعلومات عن عملياته في متناول المواطنين.
أخيرا وليس آخرا، لقد بدأ البنك بالفعل تجريب مبادرة (إشراك المواطن) في مشروعات مختارة بمنطقة الشرق الأوسط، مع وجود خطط لوضع استراتيجية لتعميم المبادرة في جميع أنحاء المنطقة وعبر حافظة استثمارات البنك العالمية اعتبارا من يوليو 2014. في حين أن هدف هذه الاستراتيجية هو إشراك المواطنين في العمليات التي يساندها البنك، إلا أن استراتيجية المبادرة نفسها ليست واضحة إلى الآن أمام المواطنين التي تدعي استهدافهم. إضافة إلى ذلك، لقد وصل إلى علمنا أن البنك يخطط لإجراء مشاورات حول مبادرة (إشراك المواطن) في الولايات المتحدة وبريطانيا وعبر الانترنت. وعلى الرغم من أن تلك خطوة هامة، نود أن نرى البنك بنفس تلك الروح لإشراك المواطنين الذين هم المنتفعين الأساسيين من مشروعاته، يقوم بتوسيع نطاق مشاوراته في البلدان التي تتأثر بعملياته. سيفيد ذلك في بناء الثقة بين المواطنين أن البنك جاد في إشراكهم بصورة مجدية في عملياته.