هذا الخبر متاح أيضا ب: الإنجليزية
على الرغم من ان تونس كانت تشيّد كنموذج للتمنية الاقتصادية في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا، إلا أن الثورة التونسية التي اشعلت الربيع العربي كشفت ان الوضع الاقتصادي في البلد أسوأ من ما كان معلنا عنه من قبل مؤسسات مثل البنك الدولي. وعلى الرغم من ان تونس استطاعت ان تحقق مستويات عالية من النمو في الناتج المحلي الاجمالي إلا ان هذا النمو لم يصل الى السكان بطريقة متساوية. هناك فوارق اقليمية كبيرة حيث ان معظم الثروة تتركز في المناطق الساحلية من البلاد، والبطالة مرتفعة جدا خاصة في أوساط الشباب وتؤثر بشكل اكبر على المناطق الأكثر فقرا في البلاد. وكانت تونس تمدح ايضا لنظامها التعليمي المجاني الشامل ومعدلات الالمام بالقراءة والكتابة. ومع ذلك، فقد كشفت تحاليل اقيمت بعد الثورة عن تضخم في إحصاءات التعليم، وسوء نوعية التعليم، وان قطاع التعليم هو احد القطاعات الأكثر تضررا من الفساد في ظل النظام السابق.
تونس دولة صغيرة ذات دخل اعلى من المتوسط تقع على الساحل الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط في شمال أفريقيا. ويبلغ عدد سكانها 10.5 مليون، وتبلغ مساحتها 155،360 كيلومتر مربع، وتحدها ليبيا من الشرق والجزائر من الغرب. ان معظم سكان تونس من الشباب: 23٪ من السكان تحت سن ال 15 عاما وما يقدر ب 55٪ تحت سن ال 24. تتسم تونس بطابع حضري حيث يقطن 66٪ من السكان في المدن وتتركز الغالبية في المناطق الشمالية من البلاد، على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط وفي العاصمة تونس. اما المناطق الداخلية القاحلة في البلاد إلى الجنوب والغرب فهي أقل سكانا بسبب المناخ الصحراوي وندرة الموارد المائية.
تلعب مجموعة البنك الدولي دورا متزايد الأهمية في تونس خلال فترة ما بعد الثورة من خلال توفير الحكومة بقروض دعم الميزانية للمساعدة في تنفيذ الإصلاحات المختلفة في سياسات الشفافية، والخدمات الاجتماعية، والاستثمار الأجنبي والتنمية الإقليمية.
ويعمل مركز معلومات البنك مع المجتمع المدني التونسي منذ عام 2011 لمراقبة عمليات البنك الدولي في البلد ومشاركته حول قضايا مختلفة. وقد أدت هذه التفاعلات إلى بعض النجاحات المبكرة في ضمان الوصول المبكر إلى وثائق الاستراتيجية القطرية، وتسهيل التواصل بين المجتمع المدني التونسي ومسؤولي البنك وتعزيز المعرفة المحلية حول أنشطة البنك في البلد.
في أعقاب الثورة، تم تسليط الضوء على العديد من القضايا التي لم تكن موضع إهتمام سابقا من قبل البنك الدولي والمؤسسات الدولية الأخرى في مخطط التنمية مثل عدم وجود بيانات موثوق بها؛ وغياب المجتمع المدني في ظل النظام القمعي السابق؛ والفوارق الإقليمية في مستويات الدخل وفرص العمل؛ وعدم وجود فرص عمل للشباب المتعلمين؛ والتأثير الكبير للجهات المانحة الأوروبية على مخطط التنمية في البلد؛ والقضايا البيئية. كل هذه التحديات يجب ان تشكل العدسة التي يمكن من خلالها عرض الملف التنموي الحالي للبنك الدولي في تونس.
دقة البيانات: من احدى الوسائل التي من خلالها تحافظ الأنظمة القمعية على سيطرتها لفترة طويلة هي السيطرة على توافر ودقة المعلومات في البلاد. ففي تونس، كانت البيانات الاقتصادية التي ينشرها البنك الدولي غالبا ما تستند على إحصاءات الحكومة، وفي فترة ما بعد الثورة اتضح ان العديد من هذه الإحصاءات غير دقيقة وانها غير ممثلة للحالة الواقعية. على سبيل المثال، يستخدم البنك الدولي معدل الفقر الوطني كمقياس للفقر في تونس. ويستند هذا المعدل على البيانات المقدمة من قبل الحكومة ويقيس نسبة السكان تحت خط الفقر الوطني والذي يختلف تعريفه من بلد إلى بلد. في عام 2009، بحسب المعهد الوطني للاحصاءات في تونس، كان 3.8٪ من السكان في البلد يعيشون تحت خط الفقر. في المقابل، بيّنت إحصاءات جديدة اصدرتها وزارة الشؤون الاجتماعية التونسية ما بعد الثورة في مايو 2011 ان معدل الفقر الفعلي يبلغ 24.7٪ من السكان. ان الفرق الكبير بين هذه الاحصاءات قد يكون نتيجة لاستخدام مقاييس مختلفة للفقر، أوتضليل في المعلومات. بغض النظر، ان هذا التناقض يؤدي إلى تمثيل مضلل للوضع الفعلي للفقراء في تونس. بالإضافة إلى عدم دقة البيانات، هناك مسألة عدم توافر البيانات الاقتصادية والاجتماعية الأخيرة في تونس، والتي كانت عاملا مقيدا في البحث لهذه الدراسة.
الفوارق الإقليمية: ان الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في المناطق الحضرية والساحلية في تونس تختلف كثيرا عما كانت عليه في المناطق الريفية والداخلية من البلد، ومع اتاحة المزيد من البيانات في فترة ما بعد الثورة اصبح مدى هذه الفوارق والوضع الحقيقي للفقراء أكثر وضوحا. ان المناطق الداخلية من البلاد، بما في ذلك المناطق في شمال غرب ووسط غرب البلد، تواجه معدلات من البطالة والفقر أعلى بكثير من المناطق الساحلية التي تستفيد من السياحة والتجارة مع أوروبا. وقد تركز الاهتمام والتمويل في النموذج الذي كان يتبعه نظام بن علي على المناطق الساحلية بطريقة غير متناسبة. في عام 2005 احتلت تونس المرتبة 60 عالميا من حيث مستويات عدم المساواة. وقد تم تحديد مسألة عدم المساواة كمشكلة رئيسية في البلد وفي المرحلة الانتقالية، تم الاتفاق على اتباع نموذج معاكس من خلال توزيع الموارد إلى المناطق التي بأمس الحاجة إليها. وقد قرر البنك الدولي أيضا اتباع هذا النموذج ونتيجة لذلك، يحاول توجيه مشروعاته التنموية إلى المناطق الأكثر حاجة اليها. ولكن يبقى هناك سؤال واحد: إذا كان لا تزال هناك صورة غير دقيقة للاحتياجات الإقليمية، كيف سيقوم البنك أو الحكومة بتعريف الفئات التي ستقوم بتوجيه الأموال اليها؟ يجب أن يكون هناك جهد استباقي لتقييم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لجميع التونسيين من أجل ضمان أن أولئك الذين بأمس الحاجة إلى مساعدة لا يستبعدون.
البطالة: لقد كان معدل البطالة في تونس مرتفع لعدة عقود. ويعتبر هذا المعدل المرتفع أحد العوامل الإقتصادية الرئيسية التي أدت إلي انتفاضات 2010-2011، فبحسب الإحصاءات بلغ معدل البطالة العامة نحو 19٪ في عام 2011. تؤثر البطالة بشكل اكبر على المناطق الداخلية الفقيرة من البلاد وفئات عمرية معينة وخاصة الشباب وكذلك الخريجين الجدد من التعليم العالي. وبحسب بعض الاحصاءات، كان معدل البطالة بين الشباب من الذين تتراوح أعمارهم بين 15-24 عاما 30.7٪ في عام 2005.
النفوذ الاوروبي: بسبب قربها الجغرافي إلى أوروبا، فإن لتونس علاقات اقتصادية وسياسية وثيقة مع المنطقة. ان معظم الصادرات التونسية مثل الملابس والمنسوجات، والسلع الميكانيكية، والفوسفات، والمواد الكيميائية، والمواد الهيدروكربونية تذهب إلى أوروبا، ويمثل الأوروبيون غالبية السياح في تونس – تلقت تونس 6.9 مليون سائح أوروبي في عام 2010. بسبب هذه العلاقات، أوروبا لديها مصلحة اقتصادية راسخة في تونس، وتسعى إلى التأثير على مخطط التنمية في البلد بطرق مختلفة بما في ذلك من خلال مؤسساتها المالية المتعددة الاطراف مثل البنك الاوروبي للاستثمار والبنك الاوروبي للانشاء والتعمير. في حين أن رسالة البنك الدولي هي الحد من الفقر من خلال تمويل مشاريع وبرامج التنمية، فإن ذلك لا ينطبق على البنوك الأوروبية: فهدف بنك الاستثمار الأوروبي على سبيل المثال هو تمويل مشاريع استثمارية تعزز مصالح أوروبا، اما البنك الاوروبي للانشاء والتعمير فقد تم إنشاءه لدعم بلدان وسط أوروبا و آسيا الوسطى خاصة في مرحلة الإنتقال لإقتصادات السوق الحر . وقد قام هذا الاخير مؤخرا بتوسيع نطاق تفويضه ليشمل أربعة بلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا بما في ذلك تونس. ولذلك، في حين تلعب هذه المؤسسات دورا كبيرا في تونس، فإنها غالبا ما تتمتع بنفوذ كبير في التأثير على المشاريع والسياسات التي تعود بالفائدة على بلدانها الاوروبية المساهمة بدلا من دعم التنمية في تونس.
مجتمع مدني ناشئ: في ظل نظام بن علي القمعي، لم يكن هناك مجتمع مدني ناشط، والمنظمات القليلة التي كانت موجودة كانت تعمل ضمن مساحة محدودة جدا وكانت أنشطتها محدودة للغاية. نتيجة الحريات التي اتاحتها الثورة التونسية، انفتح المجال لإزدهار مجتمع مدني ناشط، وبدأت العديد من المنظمات الجديدة والمبتكرة تتشكل. وفي حين تحدث هذه التطورات في بيئة سريعة التغير، وأيضا خلال المرحلة الانتقالية، فان العديد من المنظمات لا تزال تفتقر إلى القدرات المؤسسية والموارد والشبكات والتركيز للقيام برصد فعال لدور البنك الدولي الرئيسي في المرحلة الانتقالية وما بعد.
الهجرة والتحويلات: بلغ حجم التحويلات من المهاجرين التونسيين البالغ عددهم نحو مليون مهاجر 2 مليار دولار او ما يمثل 4.4٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2011، وجاءت معظم هذه التحويلات من أوروبا وليبيا. ونتيجة الأزمة الاقتصادية الأوروبية والاحداث السياسية في ليبيا، قد اضطر العديد من التونسيين العاملين خارج البلاد للعودة للبحث عن عمل في تونس، مما زاد من الضغط على سوق العمل. بالإضافة إلى ذلك، العديد من الليبيين لجأوا إلى تونس، مما يزيد من مشاكل البطالة الموجودة.
التعليم: في حين تظهر التحاليل ان تونس قد نجحت في خلق نظام تعليم مجاني شامل وتحقيق معدلات عالية في مجال الالتحاق بالمدارس والإلمام بالقراءة والكتابة، هناك مشاكل حول نوعية التعليم وكيف يترجم إلى العثور على عمل. بينما العديد من التونسيين لديهم الفرصة للحصول على درجة التعليم العالي، هناك عدم تطابق كبير بين متطلبات سوق العمل والمهارات المكتسبة في المدارس والجامعات. في الواقع، ان اكثر التونسيين تعليما هم الأكثر عرضة للبطالة. تشير بعض الدراسات إلى أن سوق العمل لا يوفر ما يكفي من الوظائف للعمال ذوي المهارات العالية أو التعليم العالي، في حين أن بعضها الآخر يشدد على ضرورة إصلاح نظام التعليم لتخريج طلاب ذوي مهارات مختلفة.
البيئة وتغير المناخ: تواجه تونس بعض التحديات البيئية الفريدة، فمناطقها الساحلية في خطر من الأضرار البيئية الناجمة عن ارتفاع المد والجزر، والمناطق الداخلية الصحراوية تعاني من ندرة المياه، بالاضافة الى مشاكل تدهور الموارد البحرية والتلوث في المناطق الصناعية الرئيسية.
مجموعة أدوات
مجموعة البنك الدولي وتونس-دراسة قطرية، مركز معلومات البنك، مارس 2013
المؤسسات المالية الدولية ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مركز معلومات البنك، أكتوبر 2007
المزيد من المصادر
صفحة تونس على موقع البنك الدولي
صفحة تونس على موقع مؤسسة التمويل الدولية (بالانجليزية)
منى رحمن
مساعدة برنامج
برنامج الشرق الاوسط وشمال افريقيا
البريد الالكتروني: mrehman@bicusa.org
الهاتف: 0625 624 (202) +1
سكايب: munarehman